الحضارة ومضامينها |
يتناول المؤلف مفهوم الحضارة و يعرض له عرضاً تاريخياً مبيّناً تطوره ثم يذكر موقفه منه ، و ذلك وفق العناوين التالية الممثلة لترتيب الفصول.
أصول مفهوم الحضارة و أهميته
يذهب المؤلف إلى أن استعمال مصطلح الحضارة لم يظهر قبل عصر التنوير الأوروبي، و يرى بذورَ هذا المفهوم ماثلةً لدى الشعوب القديمة في استخدام الصفة (متحضر) في مقابل (همجيّ) لتمييز هويتها الخاصة بها عن غيرها.
وقد وجد اليونانيون في أنفسهم خصائص تخوّلهم وصف أنفسهم بالتحضر منها الوعي التاريخي والزراعة والمدينة ( polis ) ومعاملة النساء معاملة أكثر تهذباً وامتلاكهم ديانةً مشتركة ولغةً واحدةً و ادعاؤهم الانتماء إلى عرق واحد .
و يذكر أن جهود اليونانيين و غيرهم من أوروبيي العصور الوسطى لتمييز أنفسهم عن الهمجيين استغرقت ألفيتين من الزمن، و يرى المؤلف ضرورة عرض مفهوم الحضارة باعتباره ظاهرةً تاريخيةً ، فيعرض لعدد من الكتّاب الذين تناولوا إرهاصات هذا المفهوم بدءاً بأواخر القرن الثامن عشر، و يشير إلى مايراه عاملاً مهماً مفضياً إلى مفهوم الحضارة هو «سقوط القسطنطينية في يد العثمانيين» عام 1453 م ، مما أسهم في نشوء عملية التفكّر في الذات و الآخر و ظهور علم الإثنوغرافيا الذي سعى إلى وصف الإسلام باعتباره حقيقةً تستدعي التحليل، بعد أن كان قبلُ عدواً يجب محوُه من قبل الديانة «الحقيقية» و هي المسيحية.
ويضيف المؤلف عاملاً آخر مهماً في تجسيد مفهوم الحضارة ينبثق من فكرة الشعور بالذات أيضاً هو الطبيعة التوسعية للدول الغربية التي عملت على تحديد حضارتها و تصديرها للآخرين.
ويعرض لآراء بعض المفكرين في الحضارة كـ (غيغر ، ومونتيسكيو ، وستيوارت ، وسامويل هانتينغتون).
ويخلص في هذا الفصل إلى أن الحضارة بعد تشكّل مفهومها باتت تعبّر عن أمرين: المركزية الأوروبية بمعنى أن تصبح المجتمعات الأخرى تابعةً للنموذج الأوروبي، كما تعبر عن معيار عالمي يتم في ضوئه مقارنةُ كل المجتمعات بمعنى أن كل المجتمعات أشكال من الحضارة شبيهة بالأشكال المثالية للحضارة.
الحضارة باعتبارها أيديولوجية استعمارية
ظهر الطابع التوسعي للغرب الأوروبي بدءاً من القرن السادس عشر من خلال الرحلات الاستكشافية (كوك، وفورستير) والسفارات (ماكارتني في الصين)، و كان هدف العلماء -و لا سيما علماء الأنثروبولوجيا- خلالها البحث في المجتمعات البدائية بغية فهم الآخر باعتباره مجموعةً فريدةً، و فهم الطبيعة العامة للبشر من خلاله.
وكانت النتيجة بعد عقودٍ عديدةٍ تحوّلَ هذه الأيديولوجية الاستعمارية الحميدة -بتعبير المؤلف- إلى أيديولوجية استعمارية أكثر وحشيةً تتنكّر في قناع حضاري وتسعى لإخضاع الآخر إلى حضارتها باعتباره عرقاً وضيعاً نصف متحضر.
الحضارة باعتبارها أيديولوجية أوروبية
يختار المؤلف أعمال ثلاث شخصيات تمثل برأيه أطروحته (الانطباعية) لإثبات فكرةٍ مؤداها أن الأيديولوجية الأوروبية تعني تأويلاً عنصرياً للحضارة يخدم أوروبا.
وتنوعت أساليب الكتّاب في إظهار ثقتهم المطلقة بحضارتهم الأوروبية. إذ ركّز (غيزو) في كتابه (تاريخ الحضارة) على الدين و ألبسه ثوباً علمانياً من خلال فكرتين مهمتين هما عناية الرب و التقدم ، ما سمح له أن يتحدث عن أوروبا لاعن المسيحية مع أنها سمة ضرورية لها كما يرى المؤلف، و استخدم (غوبينو) في مقاله (عدم المساواة بين الأجناس البشرية) فكرة تفوق العرق الأبيض على غيره موضحاً أن العرق هو القوة المميزة التي تقف وراء التاريخ برمّته، و يعزز (داروين) في كتابه (أصل الأنواع) نزعة التمييز العنصري من خلال نظريته في التطور التي تأثرت بثقافة بريطانيا في القرن التاسع عشر.
وبذا تمكن الأوروبيون من إلغاء الآخر الهمجي الذي يستحيل عليه أن يقترب من ملكية خاصة بهم هي الحضارة.
العملية التحضرية
يناقش المؤلف في هذا الفصل آراء ثلاثة مفكرين أوروبيين للحضارة ، و يعدّهم ممثلين لتحول في خطاب الحضارة داخل أوروبا ، إذ أعادوا برأيه النظر في مفهوم الحضارة بعد أن كانت كلُّها خيراً لا يرقى إليه الشك وأنها إنجاز أوروبي.
فللحضارة وفق (جون ستيوارت ميل) معنى مزدوج، التقدمُ البشري بصفة عامة، و بعضُ أنواع التقدم التي ترسّخ الفرق بين الشعوب المتحضرة و الأخرى الهمجية. ويذهب (فرويد) إلى أن الحضارة تقوم بالضرورة على الإكراه و إنكار الغريزة، و أنها ناقلة للتعاسة. و يقوم كتاب (نوربرت إلياس) (العملية التحضرية) على فكرةٍ مهمةٍ مفادها أن الحضارة عمليةٌ متحركة لا حصيلةٌ ثابتة ، و بذلك أضعف الدعم الأيديولوجي للتفوق الأوروبي المرتكز على العرق أو الدين أو غيره.
حضارات أخرى
يستعرض المؤلف في هذا الفصل حضاراتٍ أخرى كالحضارة المصرية التي تمثل نموذج الحضارات القديمة، و حضارة اليابان المنفتحة على الغرب و الصين و تايلاند. ومع أن هذه البلدان صاحبةَ الحضارات القديمة باتت مطالَبةً بتبني مضامين الحضارة الغربية التي تفرض نفسها إلا أنها بامتلاكها للنموذج الحضاري القديم أفقدت الحضارة الأوروبية حقَّها في التفوق من ناحية التحكم بالماضي على الأقل.
حوار الحضارات في عصر عالمي
يتحدث المؤلف عن فكرة حوار الحضارات التي أثيرت من قبل أشخاص أو مؤسسات في إيران و ماليزيا و غيرها كردٍّ على فكرة صدام الحضارات. كما يعرّج على الحضارة العربية الإسلامية في (العصر الوسيط) و يرى أنها نسخةٌ مطابقةٌ لأوروبا في القرن التاسع عشر من حيث إصرارُها على تفوقها و رفض خيار (التحاضر) و كون الدين السمة المحددة لتفوقها.
كما يناقش الاختلاف الفكري الداخلي من ناحية قبول الحوار أو عدمه في النموذج الإيراني الداعي إلى حوار الحضارات. ويتطرق إلى قضية العولمة وصلتها بالحداثة، وموقعها في إنشاء (حضارة عالمية) تتطلب إبعاد فكرة المركزية ، و تقوم على أساس (علمي تقني) ، وتسعى إلى إقامة حوارٍ بين ثقافاتٍ محلية متضمَّنة في الحضارة المنشودة.
استنتاجات
يصل المؤلف في خاتمة كتابه إلى استنتاجات خلص إليها من نقاط أثيرت في الفصول الماضية.
فمن أهم ما أورده قناعته بأن الحضارة مجاز مليء بالالتباسات التي يعتبر الكثير منها سياسياً بطبيعته، و أنها باتت مصطلحاً مفرّغاً من محتواه لاوجود حقيقياً له في حين يستخدم إعلامياً و سياسياً بوتيرةٍ متصاعدة.
والفرق بين الحضارة والثقافة أمر مشوّش، وهذا التشويش برأيه أحد مضامين الحضارة.
ويناقش مسألة العلاقة بين السعادة و الحضارة التي أثارها (فرويد) ، فيرى أن الحضارة تسعى إلى تحسين مصير البشرية و لا تعني السعادة بالضرورة.
ويوجه المؤلف نهايةً نداءً يدعو من خلاله إلى التركيز على ضرورة العملية التحضرية و الوصول إلى مفاهيم (الحضارة العالمية) و (الثقافات المحلية) ، وتبني فكرة (الكياسة) (civility) بديلاً لمفهوم الحضارة الذي يقوم في جوهره على إقصاء الآخر.
رأي وتعليق
كان المؤلف موضوعياً ومنصفاً في استقصائه تشكُّلَ مفهوم الحضارة، و انتقاله ليغدو غطاءً لغاياتٍ استعمارية ثم ليكون حكراً على الأوروبيين كما تبدو فكرة الكياسة المنشودة – التي تعني فيما تعنيه نبذ العنف –بديلاً جيداً للحضارة بمفهومها الذي آلت إليه.
لكنّ قيامه بالمساواة أو المقارنة بين بعض الحضارات قديمِها وحديثِها من جهة إلغاء الآخر و رفض محاورته يبدو حكماً متسرعاً، والمؤلف في هذا بل حتى في دعوته إلى (الكياسة) يُصدِر عن انتمائه إلى منظومةٍ فكريةٍ وسياقٍ ثقافي معين لنا أن نناقش بعض جزئياته المبثوثة في الكتاب ونتريث في قبولها أو رفضها.
مصدر المقالة : مجلة الفداء
الكتاب : الحضارة ومضامينها
المؤلف: بروس مازليش
ترجمة : د. عبدالنور خراقي
سلسلة : عالم المعرفة
الناشر : المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب - الكويت
الحجم : 4.4 م.ب.
عدد الصفحات : 180
معاينة الكتاب : Archive
↓ Download gulfup
↓Download 4shared
↓ Download Archive
Post a Comment